مآلات اختلاف العلماء في قبول الخبر الواحد في المسائل العقدية

 


      

 

          قسم العلماء الحديث إلى أقسام عدة باعتبارات مختلفة منها تقسيم الخبر باعتبار عدد راويه إلى متواتر وآحاد. وأجمع العلماء سلفا وخلفا على قبول المتواتر ولكنهم اختلفوا في قبول الخبر الواحد. وهذا الخلاف تترتب عنه مآلات في المسائل العلمية كالفقه والعقيدة.

أولا/ تعريف الخبر الواحد واختلاف العلماء في قبوله في المسائل العلمية

أ. تعريف خبر الواحد لغة واصطلاحا

          الخبر في اللغة : النبأ والعلم بالشيء ويجمع على أخبار وأخابير. والواحد والأحد في اللغة :المنفرد وأول العدد، وجمعه آحاد واحدان وآحدون.[1]

          وخبر الواحد في اصطلاح العلماء هو الذي يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا ما لم يبلغ حد التواتر[2]. فالخبر عند جمهور العلماء على قسمين: متواتر وآحاد. وزاد الحنفية قسما آخر بينهما:  المشهور.[3]

ثانيا/ اختلاف العلماء في قبول الخبر الواحد في المسائل العلمية

          يرجع اختلاف العلماء في قبول الخبر الواحد إلى مسألة:  هل الخبر الواحد  يفيد العلم أو الظن؟ ويمكن تقسيم جوابهم إلى  ثلاثة أقوال :

 الأول: الخبر الواحد يفيد العلم مطلقا.  فيجب العمل به في الفتوى والشهادة إجماعا وفي باب الأمور الدينية. وهذا قول المحدثين وفقهاء الظاهرية وكذلك ابن تيمية ونسبه إلى مالك والشافعي[4].

الثاني: لا يفيد العلم مطلقا بل يفيد الظن فلا يعمل به في الأمور العلمية. وذهب إلى هذا القول جماعة من المعتزلة والخوارج. وذهب بعض المتكلمين الأصوليين أن الخبر الواحد يفيد الظن ولكنه يعمل به في الأحكام دون العقائد. وهناك جماعة قلة قالوا بظنية خبر الواحد ولكن يقبل في إثبات العقائد كما ذهب إليه والسرخسي وابن عبد البر ونسبه إلى الشافعي[5].

 الثالث: خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به القرائن. لأن القرائن تقوم مقام كثرة العدد في المتواتر. وعند ذلك يجب العمل به سواء في الفقه او العقيدة. وهذا ما رجحه بعض الأصوليين كالآمدي وابن الحاجب والسبكي[6] وابن حجر وكذلك النظام من المعتزلة[7] وغيرهم.

ثانيا/ مآلات اختلاف العلماء في قبول الخبر الواحد في المسائل العقدية

يترتب عن اختلاف أقوال العلماء السابق ذكره مآلات جوهرية في مسائل العقيدة منها:

1. التفريق بين قبول الخبر الواحد في الأصول والفروع، الأصول هي العقائد والفروع هي الأحكام الفقهية. وأصبح القطع شرط في إثبات الأصول فلا يقبل في المسائل العقدية خبر الواحد. وهذا ما ذهب إليه المعتزلة وبعض المتكلمين والأصوليين. وتبعهم في ذلك بعض المعاصرين في غير العقائد كعبد الحميد المتولي الذي يرى أن أحاديث الآحاد لا تصلح للاحتجاج بها في القانون الدستوري لأهميته[8].

2. عدم قبول الخبر الواحد في المسائل العقدية يفضي إلى رد الكثير من الأحاديث في العقيدة التي لم ترد إلا آحادا نحو: حديث عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، ورؤية الله تعالى بالأبصار في الأخرة.

3. رد الخوارج لخبر الواحد هدم لمذهبهم لأنهم استدلوا بحديث "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وحديث "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"

4. مذهب المعتزلة في عدم قبول خبر الواحد أدى إلى تعطيلهم لصفات الله. لأن الأحاديث التي يستدل بها في المسألة آحاد فهي ظنية الثبوت، وكذلك الآيات الواردة في المسألة ظنية الدلالة، فلا يستدل بالظني على القطعي.[9]

5. التشكيك في الخبر الواحد يؤدي إلى التشكيك في المتواتر فضلا عن رد المراسيل المقبولة لدى العلماء وهذا مدخل لإنكار السنة بأكملها وهدم أصل من أصول الإسلام. وهذا ما ظهر عند بعض المتأخرين.[10]

6. القول بإفادة الخبر الواحد للعلم اليقيني يفضي إلى القول بتكفير من جحده. قال به ابن العربي وعزاه ابن الزركشي إلى جماعة من الحنابلة.  قال الزركشي "وقد حكى ابن حامد من الحنابلة أن في تكفيره وجهين، ولعل هذا مأخذهما"[11]

          في الخاتمة، نلخص إلى أن الخلاف في قبول الخبر الواحد في المسائل العلمية من الخلافات الجوهرية التي أدت إلى اختلاف العلماء في كثير من المسائل العقدية.

وئام أحمد عفيفي



[1] ابن منظور، لسان العرب، الفيروزابادي، القاموس المحيط

[2] التافتازاني، شرح التوضيح على التنقيح، 2/264

[3] السرخسي، أصول السرخسي، 291

[4] ابن القيم، مختصر الصواعق المرسالة،

[5] السرخسي، أصول، 1/392

[6] الآمدي، الأحكام2/ 32

[7] الآمدي، الأحكام، 2/49

[8] سالم البهنساوي، السنة المفترى عليها، 190

[9] شرح الأصول الخمسة، 201. مختصر الصواعق المرسلة، 438

[10] الديوسي، تأسيس النظر، 99

[11] الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، 1/266

0 Comments

Top